السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته,,
::
:
هل واقعة: "طلع البدر علينا.." صحيحة ثابتة؟
يظن كثير من الناس أن كل ما ورد في كتب السيرة النبوية صحيح ثابت بحيث يتلقون ذلك دون تثبت ولا تبين، مع أن هذه الكتب لم يكن القصد منها -عموما- إلا جمع كل ما له تعلق بسيرته عليه الصلاة والسلام بغض النظر عن الصحة والضعف، وفي ذلك قال العراقي رحمه الله في ألفيته في السيرة:
وليعلم الطالب أن السيرا 0000 تجمع ما صح وما قد أنكرا
ومن ذلك القصة المشهورة عند دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وفرح أهلها به، وقولهم: "طلع البدر علينا.." فإنها قصة ضعيفة قد رواها أبو الحسن الخلعي في الفوائد (2/59), وكذا البيهقي في دلائل النبوة (2/233) عن الفضل بن الحباب قال: سمعت عبد الله بن محمد بن عائشة يقول: لما قدم -أي النبي عليه الصلاة والسلام- المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن:
طلع البدر علينا ......من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ....... ما دع لله داع
وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات, لكنه معضل سقط من إسناد ثلاثة رواة أو أكثر فإن ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد وقد أرسله. وبذلك أعله الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (2/244).
ثم قال البيهقي كما في تاريخ ابن كثير (5/23): "وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة، لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك".
وهذا الذي حكاه البيهقي عن العلماء جزم به ابن الجوزي في تلبيس إبليس251, لكن ردها الإمام ابن القيم في الزاد (3/13): "وهو وهم ظاهر, لأن ثنيات الوداع إنما هي ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام".
ومع هذا فلا يزال الناس يرون خلاف هذا التحقيق, على أن القصة برمَّتها غير ثابتة كما رأيت! انظر السلسلة الضعيفة (2/63).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وما يروُونَه عن النبي صلى الله عليه لما قدم إلى المدينة، خرج بنات النجار بالدفوف وهن يقلن: طلع البدر علينا.. إلى آخر الشعر، فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث (أي: هزوا غرابلكم, بارك الله فيكم)، فمما لا يعرف عنه صلى الله عليه وسلم" الفتاوي (2/196).
وقال الحافظ في الفتح (7/261): "وأخرج أبو سعيد في شرف المصطفى ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعا: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن: (وذكر الشعر) وهو سند معضل, ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك" وانظر في الفتح كذلك (8/129).
::
:
و جزى الله كاتبه خير الجزاء.